الاهليليجة __________________3
متابعة الحديث بين الصادق منه السلام والطبيب الهندي
فبينما هو يوما يدق إهليلجة ليخلطها دواءا احتجت إليه من أدويته ، إذ عرض له شئ من كلامه الذي لم يزل ينازعني فيه من ادعائه أن الدنيا لم تزل ولاتزال شجرة تنبت وأخرى تسقط ، نفس تولد وأخرى تتلف وزعم أن انتحالي المعرفة له تعالى دعوى لا بينة لي عليها ، ولا حجة لي فيها ، وأن ذلك أمر أخذه الاخر عن الاول ، والاصغر عن الاكبر ، وأن الاشياء المختلفة والمؤتلفة والباطنة والظاهرة إنما تعرف بالحواس الخمس : نظر العين ، وسمع الاذن ، وشم الانف ،وذوق الفم ، ولمس الجوارح ، ثم قاد منطقه على الاصل الذي وضعه
فقال الهندي : لم يقع شئ من حواسي على خالق يؤدي إلى قلبي إنكارا الله تعالى ثم قال : أخبرني بم تحتج في معرفة ربك الذى تصف قدرته وربوبيته ، و إنما يعرف القلب الاشياء كلها بالدلالات الخمس التي وصفت لك ؟
قلت : بالعقل الذي في قلبي ، والدليل الذي أحتج به في معرفته .
قال الهندي : فأنى يكون ما تقول وأنت تعرف أن القلب لا يعرف شيئا بغير الحواس الخمس ؟ فهل عاينت ربك ببصر ، أو سمعت صوته بأذن ، أو شممتة بنسيم ، أو ذقتة بفم ، أو مسسة بيد فأدى ذلك المعرفة إلى قلبك ؟
قلت : أرأيت إذ أنكرت الله وجحدته لانك زعمت أنك لاتحسه بحواسك التي تعرف بهاالاشياء وأقررت أنا به هل بد من أن يكون أحدنا صادقا والاخر كاذبا ؟
قال : لا .
قلت : أرأيت ان كان القول قولك فهل يخاف علي شئ مما أخوفك به من عقاب الله ؟
قال : لا .
قلت : أفرأيت أن كان كما أقول والحق في يدي ألست قد أخذت فيما كنت أحاذر من عقاب الخالق بالثقة وأنك قد وقعت بحجودك وإنكارك في الهلكة ؟
قال : بلى .
قلت : فأينا أولى بالحزم وأقرب من النجاة ؟
قال : أنت ، إلا أنك من أمرك على ادعاء وشبهة ، وأنا على يقين وثقة ، لاني لا أرى حواسي الخمس أدركته ، وما لم تدركه حواسي فليس عندي بموجود .
قلت : أنه لما عجزت حواسك عن إدراك الله أنكرته ، وأنا لما عجزت حواسي عن إدراك الله تعالى صدقت به .
قال : وكيف ذلك ؟
قلت : لان كل شئ جرى فيه أثر تركيب لجسم ، أو وقع عليه بصر للون فما أدركته الابصار ونالته الحواس فهو غير الله سبحانه لانه لايشبه الخلق ، وأن هذا الخلق ينتقل بتغيير وزوال وكل شي أشبهه التغيير والزوال فهو مثله ، وليس المخلوق كالخالق ولا المحدث كالمحدث .
قال : إن هذا لقول ، ولكني لمنكر مالم تدركه حواسي فتؤديه إلى قلبى فلما اعتصم بهذه المقالة ولزم هذه الحجة
قلت : أما إذ أبيت إلا أن تعتصم بالجهالة ، وتجعل المحاجزة حجة فقد دخلت في مثل ماعبت وامتثلت ما كرهت ، حيث قلت : إني اخترت الدعوى لنفسي لان كل شئ لم تدركه حواسي عندي بلا شئ .
قال : وكيف ذلك ؟
قلت : لانك نقمت على الادعاء ودخلت فيه فادعيت أمرا لم تحط به خبرا ولم تقله علما فكيف استجزت لنفسك الدعوى في إنكارك الله ، ودفعك أعلام النبوة والحجة الواضحة وعبتها علي ؟ أخبرني هل أحطت بالجهات كلها وبلغت منتهاها ؟
قال : لا :