نتابع حديث الامام الصادق منه السلام مع الهندي __4
قلت : أفرأيت أن كان كما أقول والحق في يدي ألست قد أخذت فيما كنت أحاذر من عقاب الخالق بالثقة وأنك قد وقعت بحجودك وإنكارك في الهلكة ؟
قال : بلى .
قلت : فأينا أولى بالحزم وأقرب من النجاة ؟
قال : أنت ، إلا أنك من أمرك على ادعاء وشبهة ، وأنا على يقين وثقة ، لاني لا أرى حواسي الخمس أدركته ، وما لم تدركه حواسي فليس عندي بموجود .
قلت : أنه لما عجزت حواسك عن إدراك الله أنكرته ، وأنا لما عجزت حواسي عن إدراك الله تعالى صدقت به .
قال : وكيف ذلك ؟
قلت : لان كل شئ جرى فيه أثر تركيب لجسم ، أو وقع عليه بصر للون فما أدركته الابصار ونالته الحواس فهو غير الله سبحانه لانه لايشبه الخلق ، وأن هذا الخلق ينتقل بتغيير وزوال وكل شي أشبهه التغيير والزوال فهو مثله ، وليس المخلوق كالخالق ولا المحدث كالمحدث .
قال : إن هذا لقول ، ولكني لمنكر مالم تدركه حواسي فتؤديه إلى قلبى فلما اعتصم بهذه المقالة ولزم هذه الحجة
قلت : أما إذ أبيت إلا أن تعتصم بالجهالة ، وتجعل المحاجزة حجة فقد دخلت في مثل ماعبت وامتثلت ما كرهت ، حيث قلت : إني اخترت الدعوى لنفسي لان كل شئ لم تدركه حواسي عندي بلا شئ .
قال : وكيف ذلك ؟
قلت : لانك نقمت على الادعاء ودخلت فيه فادعيت أمرا لم تحط به خبرا ولم تقله علما فكيف استجزت لنفسك الدعوى في إنكارك الله ، ودفعك أعلام النبوة والحجة الواضحة وعبتها علي ؟ أخبرني هل أحطت بالجهات كلها وبلغت منتهاها ؟
قال : لا :
قلت : فهل رقيت إلى السماء التي ترى ؟ أو انحدرت إلى الارض السفلى فجلت في أقطارها ؟ أو هل خضت في غمرات البحور واخترقت نواحي الهواء فيما فوق السماء وتحتها إلى الارض وما أسفل منها فوجدت ذلك خلاء من مدبر حكيم عالم بصير ؟
قال : لا .
قلت : فما يدريك لعل الذي أنكره قلبك هو في بعض ما لم تدركه حواسك ولم يحط به علمك
قال : لا أدري لعل في بعض ما ذكرت مدبرا ، وما أدري لعله ليس في شي من ذلك شئ قلت : أما إذ خرجت من حد الانكار إلى منزلة الشك فإني أرجو أن تخرج إلى المعرفة .
قال : فإنما دخل علي الشك لسؤالك إياي عما لم يحط به علمي ، ولكن من
أين يدخل علي اليقين بما لم تدركه حواسي ؟
قلت : من قبل إهليلجتك هذه .
قال : ذاك إذا أثبت للحجة ، لانها من اداب الطب الذي اذعن بمعرفته
قلت : إنما أردت ان اتيك به من قبلها لانها أقرب الاشياء إليك ، ولو كان شئ أقرب إليك منها لاتيتك من قبله ، لان في كل شي أثر تركيب وحكمة ، وشاهدا يدل على الصنعة الدالة على من صنعها ولم تكن شيئا ، ويهلكها حتى لا تكون شيئا .
قلت : فأخبرني هل ترى هذه إهليلجة ؟
قال : نعم .
قلت : أفترى غيب ما في جوفها ؟
قال : لا قلت : أفتشهد أنها مشتملة على نواة ولا تراها ؟
قال : ما يدريني لعل ليس فيها شئ .
قلت : أفترى أن خلف هذا القشر من هذه الاهليلجة غائب لم تره من لحم أو ذي لون ؟
قال : ما أدري لعل ما ثم غير ذي لون ولا لحم .
قلت : أفتقر أن هذه الا هليلجة التي تسميها الناس بالهند موجودة ؟ لا جتماع أهل الاختلاف من الامم على ذكرها .
قال : ما أدري لعل ما اجتمعوا عليه من ذلك باطل
قلت : أفتقر أن الا هليلجة في أرض تنبت ؟
قال : تلك الارض وهذه واحدة وقد رأيتها .
قلت : أفما تشهد بحضور هذه الاهليلجة على وجود ، ما غاب من أشباهها ؟
قال : ما أدري لعله ليس في الدنيا إهليلجة غيرها .
فلما اعتصم بالجهالة قلت : أخبرني عن هذه الاهليلجة أتقر أنها خرجت من شجرة ، أو تقول : إنها هكذا وجدت ؟
قال : لا بل من شجرة خرجت .
قلت : فهل أدركت حواسك الخمس ما غاب عنك من تلك الشجرة ،
قال : لا .
قلت : فما أراك إلا قد أقررت بوجود شجرة لم تدركها حواسك .
قال : أجل ولكني أقول : إن الاهليلجة والاشياء المختلفة شي لم تزل تدرك ، فهل عندك في هذا شي ترد ، به قول ؟
قلت : نعم أخبرني عن هذه الاهليلجة هل كنت عاينت شجرتها وعرفتها قبل أن تكون هذه الاهليلجة فيها ؟
قال : نعم .
قلت : فهل كنت تعاين هذه الاهليلجة ؟
قال : لا .
قلت : أفما تعلم أنك كنت عاينت الشجرة وليس فيها الاهليلجة ثم عدت إليها فوجدت فيها الاهليلجة أفما تعلم أنه قد حدث فيها ما لم تكن ؟
قال ما أستطيع أن أنكر ذلك ولكني أقول : إنها كانت فيها متفرقة .