نزغات الكذب
تتقلب الكلمات معجونة برغبة الناقل تولول تارة وتستحسر تارة أخرى تجري مجرى الصدق طورا واضعة أكفه بمواقع الكذب تستأصل رونقها من قيمة الحديث فيها ومأواه ومسراه ومطالبه ومجالبه ومخالبه كأنه يهذي تارة بأخبار ناكرة لاهثة خلف مغريات الرغبات مستلة زعانفها من معجنات فتات القنايات مترهلة باسلوبها متكيفة بمقاصدها تراها في صدقها كأنها وليمة زعفران ممزوج بالخمر تنافي الصدق وتجافي الحق وتتجاذب الوصف كأنها مرمية من قضبان معلقة بين فتات التقولات ورغائب النذوات وعثرات الخلق المرميات تفاوض أحيانا على محلها من الرغبة وتدلس أحيانا لبيان سلطة سلفها فتورق بين بساتين الصحراء القاحلة تحاكي الأليف بها وتسقيه ليبل ريقه مصة من رحيقها المأفون ممزوجا بحركة حروف وصور خيالية قصص ولهجات حكايا ونبرات صوت وحركات يد بلهاء وتمايل رأس وتقطيب جبين وتركيز باللغو وتوصيف بالتقمص حتى تخال المحكي عنه والحاكي صورة واحدة لم تفترق الا حين الحدث وفي التأمل العقلي تجد القول ممزوجا بالكذب والخيال والرغبة والشرارة والبغضاء ونميمة القصد وحضور الفساد والباقي من الحديث لايلوي على شيء ولا ينبت فيه شيء سوى أنه عنقاء في صحراء تسكن في بلاد غريبة ليس لوجودها حقيقة .
وسنبين فيما يأتي كيف يدخل الكذب على المنقول من الحديث ويحوله الى قصة لها مدلول وبيرق لكنها بالواقع ليست سوى صدى همس نشاذ قائلها وهكذا ابتليت هذه الفئة الضعيفة القوية ليقع فيها التشرزم والخلود في التمزق وتحاك لها الحكايات وتتسلق اليها المبغضات مع أن العلوية في محراب قصدها وطريقة مقصدها فالحق في قولها واضحة معالمه مستنيرة مفاهيمه كضوء الشمس في رابعة النهار لكن أقاويل وترانيم أحدثت وأحدث لها بيت من الضغينة أسكنت فيه وتقولبت به حتى صارت بنيان له وبه تحاكي مضامين الفسق تحجم القول حتى درجة التآلف مع الباطل والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6 صدق الله العلي العظيم .
الرئيسية 